12 عاماً مرت كلمح البصر، لم يفقد «عيد» فيها الأمل بعودة صديقه «شلبى» الذى خرج للعمل فى ليبيا صياداً ولم يعد، حاول أن يصم أذنيه عن عبارات السخرية كلما شاهده البعض يعلق «بانرات» البحث عن جاره فى شوارع محافظة البحيرة: «فيه حد يدور على واحد متغيب من 12 سنة.. تلاقيه مات»، يواصل الرجل الأربعينى رحلته التى بدأها منذ 2003، دون أن يصل اليأس إلى قلبه، ليردد دائماً: «قلبى بيقوللى إنه عايش».
«أبويا وعيالى أمانة فى رقبتك»، كلمات لا يزال صداها يتردد فى أذنَى «محمد عيد»، الذى اقترب من عامه الخمسين، قالها صديقه وجاره محمد شلبى، قبل قراره بالسفر إلى ليبيا تاركاً خلفه زوجة تحمل جنيناً فى بطنها، وطفلاً لم يتجاوز عامه الثانى: «كان نفسه يشتغل عشان يعرف يصرف على أسرته لكن راح ومرجعش». رغم الأنباء التى يسمعها «عيد» عن موت صديقه، فإنه رفض الإصغاء معتبراً أنها شائعات لا أساس لها من الصحة.
«شلبى لسه عايش»، يقولها لكل من يناقشه فى الأمر، ولا يتوقف عن طباعة «بانرات» تحمل صورته، مكتوب عليها «متغيب وانقطعت أخباره، حيث إنه كان يعمل صياداً وخرج على ظهر مركب بإيطاليا من 2003، فعلى من يجده أو يعرف أى أخبار يتصل على الرقم الحالى». ينتظر كل ليلة مكالمة هاتفية تدلى بمعلومة عن «الصديق الغائب»، صاحب الـ27 عاماً: «الغربة بتبلع شبابنا، كان زينة شباب المنطقة، الله يسامح الفقر اللى بيحرمنا من العزيز».
الرجل الخمسينى أكد أن حال جاره من حال مئات الشباب فى المطرية التى كان يأتيها الصيادون من كل محافظة، بحثاً عن فرص عمل، لكن بعد سنوات الفوضى والإهمال والبطالة ضاقت المدينة على أهلها، وانتشر السماسرة لتصدير القوى العاملة إلى الخارج بطريقة شرعية كصديقه أو غير شرعية: «بيزغللوا عنيهم بالفلوس، وأنا ياما قلت له بلاش، الغربة هتسرق عمرك»، مشيراً إلى أنه يتولى رعاية والديه وزوجته بين الحين والآخر، منتظراً معلومة تثلج صدره.