recent
أخبار ساخنة

أحد أشهر الملحدين: تتلمذت على يد ياسر برهامي

معطف أسود و«كاب» ممهور بكلمة «أمن/ security». يقول أحمد حرقان، أحد أكثر الملحدين ظهوراً بالبرامج المتلفزة، إنه يتخفى عن الأنظار بزى «موظف أمن خاص»، فى حين لا يجد عملاً فعلياً «بعد الظهور فى عدد من القنوات صار البعض يستوقفوننى ويسألوننى إن كنت أنا أحمد حرقان الملحد» سؤال لا يظن حرقان أنه محمود العواقب، حيث يجيب دوماً بالنفى مع اختلاق أى اسم آخر.
أحمد حرقان، الملحد من خلفية سلفية، يروى أنه تتلمذ على يد الشيخ ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية حالياً، وبعدما قرر أن يلحد تلقى «تهديدات بالقتل من بعض الأصدقاء القدامى فى الدعوة السلفية، وكلما تلقيت تهديداً أرسلت للشيخ برهامى كى يكون على علم بذلك، لكن التهديدات مستمرة».
يردف «حرقان» أن «الإجهار بالإلحاد يصعِّب التعامل بين الملحد والمجتمع الذى لا يتعامل بصورة طبيعية مع المختلفين»، يتابع «حرقان» مشيراً إلى ما يتعرض له أحد أصدقائه «اسمه إبراهيم المحلاوى، وهو شاب صغير، عرف فى محيط سكنه بالإسكندرية أنه ملحد، فتم اختطافه وضربه أكثر من مرة، حتى هرب من بيته دون أن يكون أمامه بديل».
يصف أحمد حرقان تعايشه مع المجتمع بعد جهره بموقفه على التليفزيون بأنه «بات صعباً»، ولذلك يبحث «حرقان» عن مقاهٍ وأماكن تجمعات ذات معايير خاصة «على الأقل، لا بد أن يكون المكان ببوابات إلكترونية بحيث يتم تفتيش الوافدين إليه، وبالتالى حتى من سيتعرفون علىَّ فى تلك الأماكن لن يمكنهم توجيه أى أذى لى».
على جانب آخر يعتبر عمر حسين، الملحد العشرينى، أن «المقاهى القريبة من الكنائس، أو التى تزداد فيها أعداد المسيحيين، هى الأكثر أماناً بالنسبة لوجود الملحدين فيها»، ويرجع حسين الأمر إلى ظنّه بأن «المسيحيين أقل خطراً علينا من المسلمين، وأكثر قابلية للتعامل دون إبداء أى عنف مع الملحدين، وطبعاً ليسوا كلهم كذلك».
فى دوائر مغلقة على الملحدين أو مفتوحة بحذر لأقرب أصدقائهم غير الملحدين، يناقش الملحدون، بحسب ما يذكره عمر حسين، موضوعات متباينة: «لا حدود لما نتحدث فيه، ليس فى الدين فقط، ولكن فى كل شىء». ويختار بعض الملحدين أماكن أكثر انغلاقاً عليهم، بحيث تُشعرهم بمزيد من الراحة.
ويقول إسلام إبراهيم إن «المناطق الهادئة، كالعين السخنة والشواطئ الهادئة بالإسكندرية هى المقصد الأنسب لرحلات الملحدين» التى غالباً لا تضم أفواجاً كبيرة منهم، وإنما مجموعات صغيرة من الأصدقاء، بحسب إبراهيم، الذى يواصل «الشواطئ المزدحمة والشعبية أقل جذباً لمجموعات الملحدين نظراً لاحتمالات الاحتكاك بالغرباء».
وتضم منطقة وسط البلد، فى قلب القاهرة، مقاهى يعتبرها الملحدون ملتقيات لمجموعاتهم. أحمد السيد، عمل لفترة فى أحد المقاهى بمحيط البورصة، وهى المعروفة بالبورصة، «من خلال عملى فى مقاهى البورصة، رصدت توافد مجموعات كثيرة من الملحدين، والطريقة التى يتعاملون بها مع بعضهم، أو التى يعاملهم بها العاملون بالمقاهى أو زبائنها».
تحاشياً لمداهمات الشرطة حال وقوع أى مشكلة، بحسب تقييم «السيد»، يتعامل «صنايعية» مقاهى البورصة مع الملحدين فى تلك المقاهى بشكل طبيعى. «لكن بحكم طبيعة العاملين فى المقاهى ومستوى تعليمهم، فهم لا يسيطرون على ردود فعلهم دائماً، حتى إن بعضهم يتجاهل الزبائن الملحدين، لو سمع من بين حديثهم ما يسىء إلى معتقداته الدينية، مما يضطر هؤلاء الملحدين لمغادرة المقهى». يتردد عامل المقهى قبل أن يضيف «بالبلدى، الصنايعية ممكن يتلككوا للملحد».
يسيطر بعض عمال المقاهى على أسلوب معاملتهم للزبائن الملحدين، لكن بعض المقاهى «تسمح بوجود الملحدين بشكل كبير، مما يصل لحدود غير مقبولة، وهذا يؤثر على سمعة تلك الأماكن التى تشتهر بكونها «مقاهى الملحدين»، بشكل يستفز البعض فيبلغون عن تلك الأماكن، كى تداهمها الشرطة».
وفى منتصف ديسمبر الماضى نشرت مواقع الإنترنت خبر مداهمة أحد مقاهى شارع الفلكى، «مقهى باسيلى»، الذى وصفته أخبار الصحف بأنه «مقهى الملحدين»، وشغل المقهى الطابق الأرضى من العقار 61 بالشارع، وأيّد بعض السكان تصريحات جمال محيى، رئيس حى عابدين، بأن «المكان كان مخصصاً لاجتماع الملحدين وعبدة الشيطان».
فى التوقيت ذاته، اعتبرت منظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان أن إغلاق المقهى الشعبى الكائن بشارع الفلكى فى «وسط البلد»، بسبب تجمع عدد من الملحدين فيه، إنما هو متنافٍ مع المادة 64 من الدستور التى تقر إطلاق حرية الاعتقاد، والمادة 65 التى تكفل حرية الفكر والتعبير.
وتزامنت إزالة «قهوة الملحدين» مع إعلان دار الإفتاء تبنيها نتائج حصر قام به مركز بحثى تابع لمعهد جلوبال تفيد بأن «عدد الملحدين فى مصر 866 ملحداً، وهى بذلك الأولى عربياً قبل المغرب 325 ملحداً. فى المقابل لم تصدر إحصائية رسمية عن جهاز التعبئة والإحصاء الحكومى بشأن الأعداد الحقيقية للملحدين فى مصر.
قرار الإزالة الذى نفذته تحت دعوى «عدم الترخيص» جاء قبل أسبوعين من تصريحات رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى خلال لقائه شباب المثقفين: «أنا معنديش أى غضاضة فى إن أى حد يقول أنا ملحد، وأقول هذا غيرة على الله، لأن الله خلق الإنسان وميزه عن الجماد بأنه يستطيع أن يقول: لا، وربنا مش عايز حد أبداً جاى غصب عنه، ربنا عايز ناس بتحبه جاية بهواها وفكرها واعتقادها، لكننى ضد الإساءة لله ممن يدعون أنهم متدينون».
لكن الإلحاد الذى لا يلقى «غضاضة» من رئيس الجمهورية، يواجه العديد من التضييقات من أصحاب العمل والسكن على الملحدين العاملين أو المقيمين لديهم. حيث يقول عمر حسين، الملحد الشاب: «بعدما أصابنى أحد زملائى بفريق التمثيل على مسرح السلام، ساندنى رئيس المسرح حتى علم بأننى ملحد فقام بطردى قائلاً: خشبة مسرح الدولة لا يصح أن يعتليها شخص غير مؤمن بالله».
«تم طردى من العمل بسبب إلحادى 14 مرة» يقول «عمر» مبتسماً وهو يضيف: «عديتهم واحدة واحدة»، عمل «عمر» فى الكثير من الأماكن، منها شركات المقاولات، والإنشاءات العقارية، مع «صنايعية نقاشين»، لكن أحد سيناريوهين يقع دائماً «إما أن يستدعينى صاحب العمل ليبلغنى مباشرة أنه عرف بإلحادى، وأنه قرر فصلى دون نقاش، وإما أن يستدعينى صاحب العمل لمناقشتى فى إلحادى، وهو ما ينتهى حتماً بالفصل»، يفصّل «عمر».
ومثلما يبحث «عمر» عن المقاهى المملوكة لمسيحيين أو التى يغلب المسيحيون على المترددين عليها، فإنه يبحث كذلك عن «الأعمال التى يديرها أو يمتلكها مسيحيون؛ لأن المسيحيين فى العمل أفضل فى تعاملهم مع الملحدين من المسلمين، وأقل حدة، وأنا شخصياً أكثر الأماكن التى ارتحت فى التعامل معها كان أصحابها مسيحيين».
فى ليلة شتوية، عقد إسلام إبراهيم، الملحد، ذراعيه أمام صدره لمزيد من التدفئة، ولف «شاله الفلسطينى» حول عنقه ورأسه. وتجول منفرداً فى شوارع منطقة «باب اللوق» ووسط البلد دون وجهة محددة: «طردونى من اللوكاندة مجدداً»، يشير «إسلام» إلى النزل الذى يبيت فيه الليلة «مقابل عشرة جنيهات فى الليلة». «لوكاندة» جديدة لجأ إليها «إسلام»، الذى ترك منزل أهله بعد احتدام الصدام بينهم.
«شقة تلو الأخرى، وغرفة بعد غرفة أتركها عندما يعلم أصحابها أننى ملحد، حتى أصدقائى تحملونى باستضافتى لعدة ليالٍ فى بيوتهم»، يبتسم «إسلام» بنصف وجه مضيفاً: «حتى لو كانت هناك عقود، فإن صاحب المنزل يهددنى أن أفسخها وأمزقها أو يبلغ عنّى أننى ازدريت الدين». يسخر «إسلام» قائلاً: «هل أذهب للمريخ ليقبلنى أصحاب السكن؟ أصبحت مديوناً لطوب الأرض».
من جانبهم، حاول ملحدون إيواء بعض الملحدين المشردين من خلال الإعلان عن ذلك عبر إعلان نشرته صفحة «مصريون بلا ديانة» على موقع «فيس بوك» نصه: «نظراً لعلمنا بعدم توافر أماكن إقامة لبعض الملحدات والملحدين، ممن اضطرتهم الظروف لترك محال إقامتهم، يسعدنا إبلاغهم بتوافر أماكن إقامة للملحدين واللادينيين بالقاهرة، نشكر السيدات والسادة الذين قاموا بتوفير تلك الخدمة».
وأضاف الإعلان: «الأماكن المتوافرة حالياً فى أحياء: الرحاب، حلوان، 6 أكتوبر، المنيل».
الفضاء الإلكترونى، وموقع «فيس بوك» بشكل خاص سهّل التواصل الرقمى بين الملحدين. إسلام إبراهيم، أحد الشباب الذين اهتموا بتشبيك الملحدين ببعض: «دشنت صفحة بعنوان (الصفحة الرسمية لحملة الإشهار بالإلحاد)، عندما شعرت بأن الملحدين فى مصر إما مجرد حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعى، أو خائفون من الإعلان عن أنفسهم».
يقول «إسلام» إنه «بعد مضى ساعة واحدة فوجئت بعدد المعجبين وحماس كثيرين للفكرة وإرسال كثيرين صورهم وبياناتهم لنشرها على الصفحة كملحدين مجاهرين». يفاخر «إسلام» بأن عدد المشاركين حالياً على صفحته المطالبة بإشهار الإلحاد «وصل لنحو 12 ألف شخص، بالإضافة لمئات الأشخاص الذين أرسلوا صورهم وبياناتهم للإجهار بها كملحدين». وكانت الصفحة التى يشير إليها «إسلام» قد نشرت صوراً وبيانات تخص 389 شخصاً من جنسيات مختلفة، يقول إنهم قرروا المجاهرة بإلحادهم عبر صفحته.
لا يستحسن الكثير من الملحدين البقاء مع شركائهم من الجنس الآخر خارج الزواج، خوفاً من بلاغات الشرطة ضدهم «بممارسة الدعارة»، فبرغم عدم اقتناع الملحدين بتوثيق الزواج على يد مأذون أو فى كنيسة فإن كثيرين منهم يلجأون لتوثيق زواجهم بحسب دينهم السابق تجنباً لمزيد من المشكلات.
أحمد حرقان، ملحد من خلفية مسلمة، يقول إنه «وثق عقد زواجه بزوجته سالى على يد مأذون شرعى ليضمن شكلاً رسمياً تعترف بها السلطات فى مصر لاقترانه بزوجته»، وفى السياق ذاته، يقول إسلام حسين إن «عدم توافر عقود زواج مدنية يجبر الملحدين على الزواج وفق طقوس دياناتهم المثبتة فى بطاقة الرقم القومى».
«طلب اللجوء الإنسانى» هو البطاقة الأخيرة التى يراهن عليها بعض الملحدين، والتى يضطر إليها آخرون، فبحسب أحمد حرقان، الذى تعرض لمحاولة اعتداء سابقة هو وزوجته أمام منزلهما بالإسكندرية، فإن «احتمالات تعرضنا للخطر كبيرة، لدرجة أننى أتخفى فى أزياء مختلفة، وانتحل أسماءً مستعارة، وأتحاشى الحديث فى الشارع، البيئة فى مصر أصبحت خطيرة أمام الملحدين».
ويواصل عمر حسين، الذى يروى أنه أصيب بجرح غائر فى وجهه بسبب معتقداته، الحديث قائلاً: «لا يوجد شخص منّا يريد أن يسافر ويغادر بلده إلى المجهول إلا مضطراً، ولأن أغلبنا لا يمتلك تحمل التكلفة المالية للسفر فإننا نلجأ لطلبات اللجوء الإنسانى كنوع من الهرب من واقع نعيشه».
google-playkhamsatmostaqltradent