recent
أخبار ساخنة

فتيات اتخذن قرار "خلع الحجاب": تحررنا من ضغوط المجتمع

من يتخذ قراراً مخالفاً للغالبية العظمى، دائماً ما يدفع ثمن السير عكس التيار، أصوات عالية تصرخ: هذا حلال، وهذا حرام. يجلسون مكان القاضى والعالم ببواطن الأمور، وهم يصنّفون الجميع.. بين أيديكم قصص فتيات، نشأن فى ظروف مختلفة، وقررن خلع الحجاب، إلا أنهن دفعن الثمن، غضب مجتمعى، وحرب نفسية ضارية، مررن بها بمفردهن حتى وصلن للحظة اتزان وثبات.
حنان الكرارجى، 35 سنة، رسامة كوميكس، تحكى عن طفولتها التى قضتها فى السعودية، فى مجتمع متحفظ له سمات مختلفة، حيث فرض عليها ارتداء الحجاب والعباءة السوداء من سن 10 سنوات.
قالت «حنان» : «شعرت بالكبت والضيق، كرهت جسدى، خصوصاً أننى كنت أطول من باقى الأطفال، ولذلك أجبرونى على ارتداء العباءة السوداء والحجاب وعدم اللعب، كنت أتشوق للعودة فى إجازات إلى مصر، حتى أعيش حياتى كما أرغب دون حجاب، ولكن حتى بعد عودتى للدراسة الجامعية فى مصر، ارتديت الحجاب استجابة لضغوط والدتى، طوال سنوات كنت أفكر فى تلك اللحظة التى سيلامس فيها شعرى الهواء، سنوات طويلة تقبلت فيها كل أنواع الضغوط من الأسرة والأقارب، المجتمع الذى يقرر أن يتدخل فى كل ما لا يعنيه، تلك الوقفة فى حياتى لم تكن تتمحور حول خلع الحجاب فقط، سألت نفسى بصدق، هل لو سافرت خارج مصر، وبعيداً عن الضغوط هل سأخلع الحجاب، وأدركت أننى كنت أخدع نفسى، وأننى ارتديته فقط خوفاً من أن ينهرنى الناس، سنوات طويلة قضيتها مغطاة الرأس، لكن لم أكن يوماً محجبة، لأن فى المجتمعات العربية يعطون الحجاب قيمة وقدراً أكثر من الصدق والعدالة والتصرفات الإنسانية، كل شىء يتمحور حول قطعة قماش تلتف حول الرأس».
وعن لحظة خلعها للحجاب أضافت «حنان»: «كنت فى رحلة مع أصدقائى إلى سيناء، وأمام البحر خلعت الحجاب لأول مرة، شعرت بالهواء يخترق شعرى، ابتسمت من قلبى، وبكيت ودعوت الله، لأنى أحتاج عونه، لا أريد أن أكون منافقة، لم أدعُ أبداً الفتيات لخلع الحجاب، وبعد تجربتى، أنصحهن بأن يعرفن أنفسهن جيداً.
وحول ردود أفعال المقربين، أوضحت «حنان» أن المشكلة الرئيسية كانت مع أمها، لأنها متدينة جداً، وكانت تنصح كل بنات العائلة بالالتزام بالحجاب، متابعة: «كانت تقنع ابنتى التى لا يتجاوز عمرها 11 عاماً، بضرورة ارتداء الحجاب، لذلك كانت صدمتها كبيرة عندما عرفت أننى خلعته بعد كل تلك السنوات، على خلاف أبى الذى تعامل مع الموقف بهدوء تام، أمى تألمت كثيراً، وشعرت بأن تعبها فى ابنتها الوحيدة ضاع هدراً، خاصة أن بعض الأقارب استغلوا تلك الفرصة لينتقموا منها، ويشنوا عليها حرباً نفسية، مررنا بفترة عصيبة تقوقعت فيها حول نفسى، تخلى عنى الكثير من أصدقائى الذين رفضوا ذلك التغيير، مع أننى لم أتغير، وأدركت أن المجتمع لا يعاقبنا نحن فقط على قراراتنا، بل ينتهز الفرصة لينتقم من أحباءنا أيضاً، والآن بعد مرور عام واحد على إعلانى لخلع الحجاب، أشعر بأننى ربحت المعركة ولم أنهزم، وأننى اتخذت قرارى بصدق، حافظت على علاقتى الطيبة بأهلى، وأصبح لدى أصدقاء حقيقيون يحبوننى لشخصى، وليس بسبب مظهرى، ولأننى تصالحت مع نفسى واستوعبتها، لم أعد أشعر بالاغتراب، وأصبحت محيطة بأناس يشبهونى فى التفكير».
سارة الكامل، 26 سنة، موظفة، ارتدت الحجاب لمدة 5 سنوات، قالت: «بعد الثورة، أصبحت هناك انطلاقة بين الفتيات، ولا أقصد الحجاب وحده، وإنما فى اتخاذ قرارات مستقلة، ربما يكون ذلك من المكتسبات القليلة التى حصلنا عليها، أسرتى سافرت إلى الكويت والسعودية مثل معظم المصريين، الذين هربوا من الظروف الاقتصادية السيئة بحثاً عن فرص فى الخليج، ونساء العائلة فجأة تغيرن، من اهتمامهن بالموضة والأناقة وتسريحات الشعر المميزة، إلى ارتداء النقاب والخمار والتزمت الدينى، ذلك الجيل الذى عاش شبابه بالطول والعرض، الآن يحكم على جيلنا بضرورة ارتداء الحجاب، بل والتخفى تحت أمتار من القماش فى جو شديد الحرارة، أمى ساندتنى فى موقفى من خلع الحجاب ليس لأنها مقتنعة به، ولكن لأن حبها لى تغلب على كل الموروثات التى تربت عليها».
وعن لحظة خلعها للحجاب أضافت «سارة»: «كنت أرتجف من داخلى، لحظة نزولى من الشقة، وقبل خروجى من باب العمارة، شعرت بقلبى ينخلع خوفاً من اللحظة التى سأواجه فيها الجيران والعالم دون حجاب، دخلت وخرجت من باب العمارة حوالى 5 مرات، وأنا فى حالة كبيرة من التردد قبل قرارى بالانطلاق إلى الشارع، وفجأة سمعت زوجة البواب، تقول ضاحكة: كده أحلى كتير يا سارة، ابتسمت وتشجعت وخرجت وواجهت الجميع، البعض يتصور أن الفتيات يخلعن الحجاب، ليتبرجن، وليقمن بدورهن التاريخى فى غواية الرجال، تفكير سطحى طبعاً، تعجب أصدقائى، بأن طريقة ملبسى لم تتغير كثيراً، وأننى أرفض دائماً أن أضع أى مساحيق تجميل، العالم يحكمه الآن تيار رأسمالى يجعل من المرأة سلعة تخفى ملامحها تحت أطنان من المكياج، أو تيار متشدد يرى فيها أيضاً سلعة ويشبهها بقطعة الحلوى التى يجب أن تتوارى بعيداً عن الذباب، المضحك أن الرجال أصبحوا يشبهون أنفسهم بالذباب». وصفت «سارة» ردود أفعال المجتمع تجاهها، متابعة: «ربما كنت أكثر حظاً من الأخريات اللاتى خلعن الحجاب، لى صديقة أبوها ضربها بشدة وعنفها، بسبب ذلك القرار، أبى وأخى تقبلا الموقف بصعوبة ولكن لم يمنعانى ولم يعنفانى».
حكت، شيماء متولى، 24 سنة، مدرسة تنمية مهارات لذوى الاحتياجات الخاصة، عن تجربتها مع الحجاب التى استغرقت سنوات من التردد، قالت شيماء إنها ارتدت الحجاب استجابة لضغط العائلة، فى السادسة عشرة من عمرها، وخاضت حرباً نفسية، أدركت فيها أنها لا تريد أن تكون محجبة، وأن المظهر الدينى ليس كل شىء، أضافت: «من جوايا حسيت إن مش الحجاب هو اللى هيقوى علاقتى بربنا، مش الحجاب هو الترمومتر اللى هيتقاس بيه مدى قوة إيمانى».
بعد تلك الرحلة من التخبط، واجهت «شيماء» ردود أفعال قاسية، لكنها كانت متوقعة فى الوقت نفسه، البعض نسبا خلعها للحجاب، لتأثير أصدقائها الجدد عليها، وأنه لن يمر وقت طويل حتى تعود لترتديه مرة أخرى، تابعت: «الثورة أكيد كان ليها تأثير علينا من غير ما ندرك، فى أول 2012، قررت أنى مش هتحجب تانى خلاص، أما ردود الأفعال كانت كارثية، أتعرضت وقتها لصدام كبير مع المجتمع والعيلة والصحاب وناس اتهمتنى بالانحلال الدينى والأخلاقى».
أشارت «شيماء» إلى أن أغرب تعقيب على خلعها للحجاب، هو اتهام أحد الأشخاص لها، بأنها خلعته لكى «تصطاد عريساً»، ولكن لم يكن ذلك الاتهام أقسى ما تواجهه، فقد تركت صورتها بالحجاب فى بطاقة الرقم القومى لفترة، معتبرة أن ذلك أمراً عادياً، ولن يحدث ضرر كبير، ولكنها صُدمت عند قيامها بإجراءات ورقية، حيث كان الموظفون يتعنتون معها عن قصد، حتى إن أحدهم لامها بقسوة على خلعها الحجاب، ولفت انتباه كل من حولها إليها: «طبعاً قررت أنى أغير صورتى فى البطاقة على الفور، وأنى أتحمل رخامة الموظفين لحد ما أخلص الإجراءات».
وعن ردود أفعال الأسرة، قالت شيماء، إن والدها حاول إقناعها بعدم خلع الحجاب، ولكنها أصرت، فتقبل الأمر على مضض، وبعد اتخاذها القرار بخلع الحجاب، شعرت بالحزن والشفقة بسبب كم الضغوط واللوم التى واجهها والدها من المجتمع.


 
سارة كامل

 
شيماء
google-playkhamsatmostaqltradent