من يتابع إعلام الإخوان يظن أن الثورة ستندلع غدا، ومن يتابع إعلام السلطة يظن أن السيسى سيحكم أبدا. وبين هذا وذاك هناك شعب كبير عريق لا يعرف حقيقة ما يجرى، ويبتسم فى صمت، وإن نطق يقُل: أرجوكم احترموا عقولنا، فنحن لسنا حميرا أو نعاجا.
(2) تظن السلطة الحالية أن الإعلام أسقط مبارك، وتنسى أن الرجل، الذى لم يكن يحلم يوما بأن يكون رئيسا لمصر، حكم هذا البلد ثلاثين عاما، ليس لأنه كان ينصت أحيانا إلى رجال دولة أكثر منه خبرة وأسبق فى علاقتهم بالسلطة والإدارة، لكنه كان يسمح بهوامش للتعبير والتدبير، ينفّس بها الغضب المكبوت، فلا تنفجر الأوضاع فى وجهه. وتظن السلطة أن القنوات الفضائية المعارضة لحكم جماعة الإخوان هى التى أسقطتها، بينما الحقيقة أن الذى ساهم أكثر فى إسقاط حكم الجماعة هو إعلامها اللعّان السبّاب الشتّام، الذى كان يهين ذكاء المصريين على الدوام، ويقدم للفضائيات المناوئة للإخوان مادة طيعة تقتات عليها فى هجومها على الجماعة. الخطأ الذى وقع فيه الإخوان تكرره السلطة الآن بإعلام كل ما يفعله هو أنه، وفى الاتجاه المضاد، يقدم مادة تقتات عليها قنوات الإخوان، لأنه إعلام موجه، وغير مهنى، ويقوم على الدعاية السطحية الفجّة، ويعتمد على وجوه لفظها المصريون تماما.
(3)
لا تجب أن تنسينا استعادة النقيب محمد الحايس، ولله الحمد، أن المخطئين فى حادث الواحات لم ينالوا بعد عقابهم اللازم والعادل، فالنقل من إدارة إلى إدارة، وحتى الإعفاء من الخدمة، ليس عقابا، إنما ذر للرماد فى العيون. فالسلطة التى تحترم الدستور والقانون وقبلهما الشعب تقدم المخطئ لقضاء مستقل عادل. وفى الوقت نفسه تكافئ كل من أجاد وأصاب. واستعادة الحايس تقول بوضوح إن من عليه أن يواجه إرهابيين مدربين ومسلحين بهذا الشكل ليست قوات الشرطة مهما كانت خبرتها فى التعامل مع قضايا الإرهاب، إنما القوات المسلحة بما لديها من قدرات تمكنها من مواجهة هؤلاء القتلة الفجرة فى الأرض المفتوحة.
(4) عكفت عدة سنوات على تأليف كتاب عن «الخيال السياسى» صدر قبل أيام عن سلسلة «عالم المعرفة» الشهيرة، التى كتبت على غلاف الكتاب أنه يطرح موضوعا نادر التناول فى التحليل السياسى، إذ لا يوجد كتاب باللغة العربية يتصدى له بطريقة مباشرة وشاملة، وكثير من مختلف الدراسات الأجنبية وضعت عنوانا عريضا حوله، لكن لم يكتب تحته كل ما يليق به أو يعبر عنه تعبيرا جليا وعميقا، بل ذهبت فى اتجاهات متناثرة، معتبرة أن تدابير وتصرفات وسلوكيات سياسية عدة هى من قبيل الخيال أو حتى الوهم السياسى، أو واصفة تجربة أمة من الأمم أو دولة من الدول أو إدراكاتها وتصوراتها عن آخرين بأنها نوع من التخيل السياسى. ابتداء فإنه يستحيل التقدم فى العيش بلا خيال، فهو الطاقة السحرية التى تقود الإنسان إلى التمرد على واقعه، والتحرك خطوات مستمرة نحو الأمام، وسط حال من التوتر الدائم، الذى تمور به نفس الإنسان وهو يسعى بلا كلل ولا ملل إلى بلوغ آفاق جديدة، وخوض مغامرات لا تنقطع، فى سبيل تحسين شروط الحياة. والخيال وراء كل شىء فى حياتنا، الاختراعات العظيمة والأفكار العميقة والأعمال الفنية الرائعة والإجراءات الفعالة التى نضع أقدامنا عليها لنحل المشكلات، ونعبر المآزق، ونتجاوز الأزمات. وينتابنى أحيانا شعور بأننى وجدت فى تأليف كتاب عن «الخيال السياسى» ما يلبى نداء داخلى، لكن الحقيقة تتعدى هذا إلى اقتناع يترسخ لدى، ولدى آخرين، بمرور الوقت، فى أن فقر الخيال السياسى فى الحياة العربية العامة من العناصر الخفية التى ساهمت فى تردى الأحوال على هذا النحو، وأن الفجوة التى تتسع بيننا وبين الغرب لا تقتصر على التقنية والحداثة فقط إنما الخيال السياسى أيضا. ويتناول الكتاب معنى الخيال السياسى، وكل ما تشبّه به أو التبس عليه، ثم يبين حاجة الحاكم والمحكوم إليه، ويشرح كيف يمكن للسياسة أن تكون مجالا للخيال فى توزعها بين الإيهام والإبهام والإلهام، وكيف يمكن للخيال السياسى أن ينبع من استقراء التاريخ، والوعى بالمستقبل، وبصيرة القيادة، وروح الفريق، والتفكير الجانبى والتباعدى، ونظرية المباريات، والمحاكاة، وقرائح مبدعى الأدب، واستطلاعات رأى الناس، واستعراض التجارب الناجحة ودراستها. ويعدد الكتاب سبل تنمية الخيال السياسى وشحذه، والمعوقات التى تحول دون ذلك مثل: الاستسلام للواقع، وبلادة صناع القرار، والتحكم البيروقراطى، ونقص المعلومات والاستهانة بها، والجهل بالتاريخ، وتقديس الموروث، والتفكير بالتمنى، وسطوة الأيديولوجيا. وبعدها يتم طرح عدة مجالات لتوظيف الخيال السياسى مثل: عبور الأزمات، وبناء الخطط والاستراتيجيات، والحرب، ومكافحة الفساد، ومواجهة الإرهاب، وتعزيز الحس الأمنى، وتقدير الموقف، وتفادى سلبيات الديموجرافيا السياسية، والبحث عن المثل العليا والفضائل الاجتماعية والسياسية، وتكوين الجماعات المتخيلة أو اختراع الهويات القومية، وتوظيف «الصناعات الإبداعية» فى خلق التماسك الاجتماعى وصناعة الدور، وأخيرا يعرض نماذج تطبيقية للتخيل السياسى قدمها أفراد ومؤسسات. جاءت البذرة الأولى لتأليف هذا الكتاب مما سمعته من وصف أحد المثقفين المقربين من مبارك حين قال عنه: «عنيد كصخرة، وحين تجالسه تتأكد من أنه لم يقرأ كتابا واحدا فى حياته، والذى خلقه لم يضع فى رأسه ذرة من خيال». ولأن هذه الحالة صارت مزمنة، وصارت تنسحب على كثيرين هنا وهناك، فإن كتابة بحث مطول عن «الخيال السياسى» ونشره على نطاق واسع ربما يفتح بابا لنقاش عميق حول حاجتنا إلى الخيال السياسى، أو حسبما قال أحد النابهين وهو الأستاذ سعد الغزالى فى تعليق على «فيس بوك» بعد أن قرأ مقدمة الكتاب: «أرى محاولة لتجاوز مقولة إن السياسة فن الممكن، فهنا دعوة إلى خيال لا يجعل شيئا مستحيلا».
(5) سار تعلق الجيل الجديد بالرواية على عكس الخط البيانى الذى رسمه المتشائمون حيال مستقبل الأدب ممن أعتقدوا أن الولع بمواقع التواصل الاجتماعى سيؤدى إلى استغناء عن القراءة. فهذه المواقع، التى أدمن كثيرون الدخول عليها والانتظار فيها لساعات طويلة، خلقت فرصة قوية لدور النشر والكتاب كى يتوصلوا، مجانا وبجهد قليل، إلى قاعدة عريضة من الناس كى يخبروهم بأن رواية قد صدرت لهم، وهو أمر لم يكن متاحا من قبل، مع انحسار الصحافة الثقافية. كما أن بعض الروائيين راح يقتطع أجزاء من روايته وينشرها على «فيس بوك»، أو من خلال تغريدات مكثفة على «تويتر»، وتعمد أن تكون هذه الأجزاء هى الأكثر جاذبية بحيث يكون بمكنتها جذب أكبر عدد من القراء. ومع هذا لا يمكن إنكار الخطورة التى يشكلها إدمان مواقع التواصل الاجتماعى على القراءة عموما، بما فى ذلك استذكار الكتب المدرسية. وهذا يفرض على دور النشر أن تبحث عن وسائل مبتكرة لإتاحة عروض للكتب تنشر على هذه المواقع وتكون جذابة لتلفت انتباه القراء وتأخذهم من عالم الإنترنت، أو تبقيهم فيه لكن ليتصفحوا الكتب على طريقة «بى دى إف» أو أى طرق أخرى مبتكرة.
(2) تظن السلطة الحالية أن الإعلام أسقط مبارك، وتنسى أن الرجل، الذى لم يكن يحلم يوما بأن يكون رئيسا لمصر، حكم هذا البلد ثلاثين عاما، ليس لأنه كان ينصت أحيانا إلى رجال دولة أكثر منه خبرة وأسبق فى علاقتهم بالسلطة والإدارة، لكنه كان يسمح بهوامش للتعبير والتدبير، ينفّس بها الغضب المكبوت، فلا تنفجر الأوضاع فى وجهه. وتظن السلطة أن القنوات الفضائية المعارضة لحكم جماعة الإخوان هى التى أسقطتها، بينما الحقيقة أن الذى ساهم أكثر فى إسقاط حكم الجماعة هو إعلامها اللعّان السبّاب الشتّام، الذى كان يهين ذكاء المصريين على الدوام، ويقدم للفضائيات المناوئة للإخوان مادة طيعة تقتات عليها فى هجومها على الجماعة. الخطأ الذى وقع فيه الإخوان تكرره السلطة الآن بإعلام كل ما يفعله هو أنه، وفى الاتجاه المضاد، يقدم مادة تقتات عليها قنوات الإخوان، لأنه إعلام موجه، وغير مهنى، ويقوم على الدعاية السطحية الفجّة، ويعتمد على وجوه لفظها المصريون تماما.
(3)
لا تجب أن تنسينا استعادة النقيب محمد الحايس، ولله الحمد، أن المخطئين فى حادث الواحات لم ينالوا بعد عقابهم اللازم والعادل، فالنقل من إدارة إلى إدارة، وحتى الإعفاء من الخدمة، ليس عقابا، إنما ذر للرماد فى العيون. فالسلطة التى تحترم الدستور والقانون وقبلهما الشعب تقدم المخطئ لقضاء مستقل عادل. وفى الوقت نفسه تكافئ كل من أجاد وأصاب. واستعادة الحايس تقول بوضوح إن من عليه أن يواجه إرهابيين مدربين ومسلحين بهذا الشكل ليست قوات الشرطة مهما كانت خبرتها فى التعامل مع قضايا الإرهاب، إنما القوات المسلحة بما لديها من قدرات تمكنها من مواجهة هؤلاء القتلة الفجرة فى الأرض المفتوحة.
(4) عكفت عدة سنوات على تأليف كتاب عن «الخيال السياسى» صدر قبل أيام عن سلسلة «عالم المعرفة» الشهيرة، التى كتبت على غلاف الكتاب أنه يطرح موضوعا نادر التناول فى التحليل السياسى، إذ لا يوجد كتاب باللغة العربية يتصدى له بطريقة مباشرة وشاملة، وكثير من مختلف الدراسات الأجنبية وضعت عنوانا عريضا حوله، لكن لم يكتب تحته كل ما يليق به أو يعبر عنه تعبيرا جليا وعميقا، بل ذهبت فى اتجاهات متناثرة، معتبرة أن تدابير وتصرفات وسلوكيات سياسية عدة هى من قبيل الخيال أو حتى الوهم السياسى، أو واصفة تجربة أمة من الأمم أو دولة من الدول أو إدراكاتها وتصوراتها عن آخرين بأنها نوع من التخيل السياسى. ابتداء فإنه يستحيل التقدم فى العيش بلا خيال، فهو الطاقة السحرية التى تقود الإنسان إلى التمرد على واقعه، والتحرك خطوات مستمرة نحو الأمام، وسط حال من التوتر الدائم، الذى تمور به نفس الإنسان وهو يسعى بلا كلل ولا ملل إلى بلوغ آفاق جديدة، وخوض مغامرات لا تنقطع، فى سبيل تحسين شروط الحياة. والخيال وراء كل شىء فى حياتنا، الاختراعات العظيمة والأفكار العميقة والأعمال الفنية الرائعة والإجراءات الفعالة التى نضع أقدامنا عليها لنحل المشكلات، ونعبر المآزق، ونتجاوز الأزمات. وينتابنى أحيانا شعور بأننى وجدت فى تأليف كتاب عن «الخيال السياسى» ما يلبى نداء داخلى، لكن الحقيقة تتعدى هذا إلى اقتناع يترسخ لدى، ولدى آخرين، بمرور الوقت، فى أن فقر الخيال السياسى فى الحياة العربية العامة من العناصر الخفية التى ساهمت فى تردى الأحوال على هذا النحو، وأن الفجوة التى تتسع بيننا وبين الغرب لا تقتصر على التقنية والحداثة فقط إنما الخيال السياسى أيضا. ويتناول الكتاب معنى الخيال السياسى، وكل ما تشبّه به أو التبس عليه، ثم يبين حاجة الحاكم والمحكوم إليه، ويشرح كيف يمكن للسياسة أن تكون مجالا للخيال فى توزعها بين الإيهام والإبهام والإلهام، وكيف يمكن للخيال السياسى أن ينبع من استقراء التاريخ، والوعى بالمستقبل، وبصيرة القيادة، وروح الفريق، والتفكير الجانبى والتباعدى، ونظرية المباريات، والمحاكاة، وقرائح مبدعى الأدب، واستطلاعات رأى الناس، واستعراض التجارب الناجحة ودراستها. ويعدد الكتاب سبل تنمية الخيال السياسى وشحذه، والمعوقات التى تحول دون ذلك مثل: الاستسلام للواقع، وبلادة صناع القرار، والتحكم البيروقراطى، ونقص المعلومات والاستهانة بها، والجهل بالتاريخ، وتقديس الموروث، والتفكير بالتمنى، وسطوة الأيديولوجيا. وبعدها يتم طرح عدة مجالات لتوظيف الخيال السياسى مثل: عبور الأزمات، وبناء الخطط والاستراتيجيات، والحرب، ومكافحة الفساد، ومواجهة الإرهاب، وتعزيز الحس الأمنى، وتقدير الموقف، وتفادى سلبيات الديموجرافيا السياسية، والبحث عن المثل العليا والفضائل الاجتماعية والسياسية، وتكوين الجماعات المتخيلة أو اختراع الهويات القومية، وتوظيف «الصناعات الإبداعية» فى خلق التماسك الاجتماعى وصناعة الدور، وأخيرا يعرض نماذج تطبيقية للتخيل السياسى قدمها أفراد ومؤسسات. جاءت البذرة الأولى لتأليف هذا الكتاب مما سمعته من وصف أحد المثقفين المقربين من مبارك حين قال عنه: «عنيد كصخرة، وحين تجالسه تتأكد من أنه لم يقرأ كتابا واحدا فى حياته، والذى خلقه لم يضع فى رأسه ذرة من خيال». ولأن هذه الحالة صارت مزمنة، وصارت تنسحب على كثيرين هنا وهناك، فإن كتابة بحث مطول عن «الخيال السياسى» ونشره على نطاق واسع ربما يفتح بابا لنقاش عميق حول حاجتنا إلى الخيال السياسى، أو حسبما قال أحد النابهين وهو الأستاذ سعد الغزالى فى تعليق على «فيس بوك» بعد أن قرأ مقدمة الكتاب: «أرى محاولة لتجاوز مقولة إن السياسة فن الممكن، فهنا دعوة إلى خيال لا يجعل شيئا مستحيلا».
(5) سار تعلق الجيل الجديد بالرواية على عكس الخط البيانى الذى رسمه المتشائمون حيال مستقبل الأدب ممن أعتقدوا أن الولع بمواقع التواصل الاجتماعى سيؤدى إلى استغناء عن القراءة. فهذه المواقع، التى أدمن كثيرون الدخول عليها والانتظار فيها لساعات طويلة، خلقت فرصة قوية لدور النشر والكتاب كى يتوصلوا، مجانا وبجهد قليل، إلى قاعدة عريضة من الناس كى يخبروهم بأن رواية قد صدرت لهم، وهو أمر لم يكن متاحا من قبل، مع انحسار الصحافة الثقافية. كما أن بعض الروائيين راح يقتطع أجزاء من روايته وينشرها على «فيس بوك»، أو من خلال تغريدات مكثفة على «تويتر»، وتعمد أن تكون هذه الأجزاء هى الأكثر جاذبية بحيث يكون بمكنتها جذب أكبر عدد من القراء. ومع هذا لا يمكن إنكار الخطورة التى يشكلها إدمان مواقع التواصل الاجتماعى على القراءة عموما، بما فى ذلك استذكار الكتب المدرسية. وهذا يفرض على دور النشر أن تبحث عن وسائل مبتكرة لإتاحة عروض للكتب تنشر على هذه المواقع وتكون جذابة لتلفت انتباه القراء وتأخذهم من عالم الإنترنت، أو تبقيهم فيه لكن ليتصفحوا الكتب على طريقة «بى دى إف» أو أى طرق أخرى مبتكرة.