داخل جسد ذكر عاشت لسنوات طويلة رغم كونها تأبى المكوث داخل قالب لا يتناسب مع إحساسها وغرائزها المختلفة تمامًا عن ملامحها وشكلها، فمنذ نعومة أظافرها وهي تميل لكل ما هو أنثوي بداية من اللهو في الشارع وحتى اختيار الملابس، لتقرر بعد أعوام ليست قليلة الخروج عن صمتها، وتعلن تحولها من "محمد رمضان" إلى "فريدة".
"من صغري وأنا طفلة مكنتش بحب لعب الصبيان ولا الشقاوة، وكنت بجب ألعب مع البنات، وتدريجيًا اتطور الأمر إني بقيت ألبس لبس أختي، وكنت بلاقي ضرب وإهانة بسبب كده وبعد ما كبرت شوية حبيت الطبخ، وكنت بقف في المطبخ كتير وأشتري هدوم بناتي لنفسي في السر، كنت بعمل حاجات لا إرادية كتيرة".. حسب "فريدة".
أثناء مرحلة الدراسة بالثانوية العامة، سلكت "فريدة" طريق البحث عن حل لأزمتها، فبدأت بالاتصال بمجموعة كبيرة من الأطباء المتخصصين في الأمر داخل بلدتها، "وأنا في ثانوي بدأت أكلم دكاترة وأشرح لهم حالتي من ورا أهلي، واتشتمت واتهزقت كتير والموضوع وصل للسباب واللعن، بس ميأستش وجيت القاهرة واتصلت بدكاترة كبار وبدأت معاهم الجلسات العلاجية بس مقدرتش أكمل لفترة معينة بسبب إن الأدوية غالية وأنا ظروفي على قدها، بس برضو ميأستش وقررت أتكلم مع أهلي وجيراني، لكنهم استاؤوا جدًا والقصة بقت ما بين حلال وحرام وبدأت أجاريهم وأحسسهم إني سمعت كلامهم، بس أنا مكملة في طريقي من وراهم".
"بعد فترة، تواصلت مع دكاترة على مستوى عالي في مستشفيات القصر العيني والحسين الجامعي، وبرضو كانت التكاليف عالية، فكنت بروح جلسة والتانية لا، بس فضلت أتابع وأخضع للجلسات كلها وقدرت أجمع فلوس وأعمل ده".
13 عاما من المتابعة والعلاج، خضعت لهم "فريدة" صاحبة الـ50 عامًا، عاشت خلالهم تحت مظلة من الضغط النفسي والعصبي بصورة بالغة، فلم تكن عملية تحولها الجنسي سهلة على حد وصفها، "إحنا مش بندخل من باب نخرج من باب تاني، بنتحط في اختبارات مفيش إنسان عادي يتحملها، بتبدأ باختبارات شخصية بيتحدد خلالها أنت مريض نفسي ولا لا، وفي تشخيص بيكون مرتبط بالغدد والهرمونات ورسم المخ، والحمدلله أنا نجحت في كل الاختبارات دي خلال 6 أشهر، واتأهلت كويس، وحصلت على تقرير طبي علشان أخضع للعملية الجراحية".
في مقابل حصول "فريدة" على تحولها الجنسي خسرت أساسيات حياتها بدءًا من علاقاتها بأهلها وحتى عملها في محل نشأتها بمحافظة دمياط، فضلا عن الاتهامات العنيفة التي وُجهت إليها، "اترفدت من شغلي في الفترة قبل ما أعمل العملية لأني كنت بغيب كتير بسبب الجلسات وسفري للقاهرة، ولما عرفوا حالتي رفدوني على الرغم من إني كنت حد نابغ في صناعة الحلويات في بلدي، وأهلي قاطعوني واتطردت من بلدي واتمنعت من دخول دمياط بالتهديد، وبعد ما كان بيتضرب بيا المثل بقيت صفر على الشمال، وفي ناس بتتهمنا إننا بنعمل العمليات دي علشان نعمل علاقات معينة محرمة، وده غلط مش صح، وقبل ما أعمل العملية جالي عرض من ثري عربي وقالي عايزك كده، ورفضت لأني مش هقبل بأي حاجة حرام لحد ما أموت".
عقب نجاح العملية الجراحية، تنقلت السيدة الخمسينية للعيش ما بين محافظتي القاهرة والإسكندرية حتى استقر بها الحال مؤخًرا في إحدى البلدات الصغيرة بمحافظة البحيرة، "مبسوطة وعايشة وسط ناس على باب الله، قابلاني ومحترمة وبتحبني جدًا، حتى بعد ما عرفوا قصتي قالوا لي إحنا لينا باللي أنتِ عليه واللي قدامنا، وإحنا بنحترمك وبنحبك".
تعيش "فريدة" الآن في حالة من الاستقرار النفسي، والبحث عن حياة مستقرة وسط مجتمعها، مع تجاهل تام منها للتعليقات السلبية والانتقادات التي تتعرض لها خاصة من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، "السوشيال ميديا مش هتموتني، ولا هتعطلني، وعايشة وهوصل للي بتمناه".
عروض زواج عدة تقع في طريق "فريدة"، لكنها لم تقرر أخذ الخطوة في الوقت الحالي، "الجواز أمر بفكر فيه زيي زي أي واحدة في الدنيا، وعايزة أقول للمجتمع الأول إني عايشة ومحترمة وليا حياة الأول، وبعد كده هاخد الخطوة دي مع حد ابن حلال وكويس".