عندما يجتمع المسئولون لمراجعة سعر رغيف الخبز المدعم من أجل زيادته عليهم إدراك أن فقراء المصريين الذين يحصلون على 20 رغيف خبز بجنيه واحد، هم الذين يأكلون «الكشرى بالعيش» ليس حبا فى مذاق هذا الخليط الذى لا يتخيله كثيرون وإنما لأنهم لا يمتلكون ما يكفى لدفع ثمن وجبة الكشرى المشبعة لهم فيلجأون إلى عمل «سندوتشات كشرى» حتى يسدوا جوعهم بأقل تكلفة.
وعندما يجتمع هؤلاء المسئولون عليهم أن يراجعوا أولا التكلفة الرسمية لرغيف الخبز المدعوم والتى يقولون إنها تبلغ 65 قرشا فى حين أن السريحة الذين يبيعون خبز المخابز الحرة أو ما تسمى بالسياحية يبيعون الرغيف الأجود والأنظف، وإن كان أقل وزنا، بسعر 50 قرشا تغطى التكلفة الفعلية، وتحقق هامش ربح للبائع والمخبز، وهذا الكلام يعنى وجود خلل فى حساب تكلفة الرغيف المدعوم أو هدرا فى إنتاجه وتداوله لتصبح تكلفته أعلى من سعر بيع الرغيف الأجود منه
وبحسب البيانات الحكومية فإن مخصصات دعم السلع التموينية خلال العام المالى الجديد تبلغ 87.5 مليار جنيه، المخصص منها لدعم الخبز حوالى 44.8 مليار جنيه يستفيد منها حوالى 66.7 مليون مواطن مسجلين على بطاقات التموين. قسمة هذا المبلغ على عدد المستفيدين من الدعم تعنى ببساطة أن دعم رغيف الخبز للمواطن المستحق للدعم يبلغ نحو 1.85 جنيه يوميا، وهو مبلغ زهيد مقابل ضمان الحد الأدنى من الطعام لملايين الفقراء فى البلاد.
المفارقة أن فتح ملف زيادة سعر رغيف الخبز المدعوم جاءت فى إطار احتفالية تحدث فيها المسئولون عن انتشار السمنة والتقزم وسوء التغذية بين تلاميذ المدارس، وقالوا إنهم سيعالجون هذا الأمر بتقديم وجبة غذائية صحية للتلاميذ فى المدارس. فهل ستغنى هذه الوجبة المدرسية التلاميذ عن الطعام باقى اليوم، بعد أن تقلص الدولة عدد الأرغفة التى يمكن لأسرهم شراءها بالأسعار الجديدة؟ والسؤال الثانى، هل هناك أساسا مدارس ودراسة منتظمة نبدد فيها مليارات الجنيهات باسم الوجبات المدرسية؟
الحقيقة أنه يمكن للدولة أن ترفع سعر الخبز المدعم، بل وأن تلغى دعمه تماما، شريطة أن تكون المرتبات والمعاشات التى تدفعها للمواطنين كافية لكى يستغنى المواطن عن الخبز، مثل كل الشعوب ليست فقط الغنية بل وحتى الفقيرة التى لا تعتمد على الخبز لملء بطونها كما هو حال المصريين.
المشكلة الحقيقة فى مصر ليست، كما قلت، فى زيادة سعر رغيف الخبز المدعم ولا حتى فى إلغاء هذا الدعم، ولكن فى رؤية الحكومة التى لا ترى فى أحيان كثيرة سوى الجباية وتقليص ما تقدمه من خدمات لعامة المواطنين كحلول لما خلقتها سياساتها الاقتصادية من مشكلات مالية. فخلال السنوات الماضية ارتفعت أسعار الخدمات الحكومية بدءا من رسوم استخراج الأوراق الرسمية وحتى أسعار الكهرباء بأضعاف الزيادة فى الدخول. وفى حين اتجهت غالبية حكومات العالم إلى التخفيف عن المواطنين وتحسين دخولهم لمواجهة جائحة فيروس كورونا كانت مصر هى الدولة الوحيدة تقريبا التى اعتبرت الموظف أو صاحب المعاش الذى يحصل على أكثر من 2000 جنيه شهريا من الأثرياء الذى يجب استقطاع 1 أو نصف فى المائة من دخله لتمويل جهود مكافحة كورونا.
فى المقابل فإن هذا الحديث الحكومى عن الصعوبات المالية التى تواجه الخزانة العامة للدولة وتجعلها غير قادرة على استمرار تقديم 1.85 جنيه يوميا لدعم رغيف الخبز للفقير، هى نفسها التى تصر على بناء أعلى برج وأوسع حديقة وأطول كوبرى وترسل أكبر بعثة أوليمبية لم تحقق ميدالية ذهبية واحدة، دون أن تعيد النظر فى أولويات الإنفاق، بما يتفق مع حديث الفقر الذى تردده عندما يتعلق الأمر بالتزاماتها تجاه الفقراء.