«من حق ماما تتجوز وتعيش حياتها»، جملة كلاسيكية لا تُسمع تقريبا إلا في الأعمال الدرامية، يتمناها المؤلف في واقع مجتمعه فيفرضها على الورق، وعند التطبيق يواجه بثوابت مجتمعية، بأن المرأة بعد سن الخمسين فقدت حقها في الحياة، وبعد الطلاق لا يجوز لها مواصلة الحياة مع شريك جديد، لكن «محمد» وأخوته، كانوا بمثابة عناصر منفذة لبنات أفكار المؤلفين على أرض الواقع، إذ ساعدوا والدتهم على استكمال تعليمها، وتزويجها برجل آخر بعد الطلاق من والدهم.
ملكة جامعية متوجة وسط 4 رجال
في لقطة مصورة، جسدت تلك المعاني، تقف وفاء صفوان، وسط أبنائها الأربعة، وكأنها عروس تتزين بثمار كفاحها، فمن رحم المعاناة وُلد الأمل، بتدبير أبنائها وتشجيهم لها، فلم يجدوا سبيل لعلاجها من حالة الاكتئاب، التي صاحبتها عقب الانفصال عن والدهم، منذ عِقد من الزمن، سوى استكمال دراستها، التي قطعتها عنها ظروف الحياة.
تخرجت وفاء صفوان شمسي، في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، لكنها لم تحصد نتيجة جهدها وتخرجها فقط، بل حصدت ثمار تربيتها لأبنائها الرجال الأربعة، الذين كانوا خير عون وسند لها، عقب الانفصال عن والدهم.
فكان الإيثار أسلوب حياتهم، ودفعهم إلى تشجيعها على استكمال تعليمها، التي ودعته وهي في عمر 18 عاما، من أجل الزواج وتربية الأبناء، حت واصلت مشوارها التعليمي في النهاية، بعد نوبة من الاكتئاب كسرتها وأخفت بسمتها، بسبب الطلاق.
محطة قاسية غيرت حياة وفاء
نجاح سبقه المعاناة والحزن والاكتئاب، حاول محمد مرزوق، نجل السيدة سرده في سطور مقتضبة، يبرز من خلالها رحلة كفاح والدته، التي انتهت بالتخرج بتقدير مرتفع، والاحتفال بزواجها للمرة الثانية واستقرارها.
فربما أراد الحظ أن يبعدها قديما عن استكمال رحلة تعليمها، قبل أن يدفعها القدر لاستكماله مجددا، بحسب حديث نجلها: «ماما مكملتش تعليمها، عشان تتجوز وهى عندها 18 سنة، وجابت 4 أولاد».
محطة قاسية مرت بها «وفاء»، بعدما وقع الطلاق بينها وبين زوجها منذ 10 سنوات، كادت تسقطها في بحر الاكتئاب، قبل أن تمتد يد أولادها لها: «بعد طلاقها من بابا جالها حالة من الاكتئاب، اقترحنا عليها أنا وأخواتى، أنها تكمل تعليمها، وده ممكن يشغلها شوية عن اللى كانت فيه، وأن حياتها ممكن تتغير شوية، وفعلا أخدت القرار ده».
عروسة متفوقة بعد الخمسين
من الانفصال، لطالبة ثانوية عامة، ومن ثم الجامعة، للزواج مجددا، كانت رحلة طويلة، مليئة بالتحديات خاضتها السيدة، في محاولات هزم الواقع المرير: «دخلت الثانوية العامة، وذاكرت واجتهدت، وجابت مجموع كبير، بعد كده اختارت تدخل كلية الحقوق، وفعلا دخلت الكلية، وبدأت تحضر المحاضرات، وتذاكر زى أي حد، لحد ما جه اليوم اللى تتخرج فيه، وبتقدير كمان، وعلى فكرة جالها عريس من سنه وجوزناها، فهي عروسة برضه».
لسه الطريق مخلصش
ربما الكلمات كانت عاجزة عن وصف سعادة الأبناء الأربعة، بتخرج والدتهم، واستقرار حياتها مجددا، عقب عناء الدراسة الممزوج بمسؤولية الأمومة، إلا أن صورة لهم أمام الجامعة، كانت كافية لإيصال مشاعرهم: «أنا وأخواتي عمرنا ما كنا نتخيل، أنها توصل للمرحله دي».
رسالة شكر وامتنان وتشجيع لاستكمال الطريق، اختتم بها نجل السيدة حديثه: «إحنا بجد فخوريين بيكي يا أمي، فعلا علمتينا يعني إيه مفيش حاجة اسمها مستحيل، وأن دائما فيه أمل، أنتى مثال للنجاح والطموح، ربنا يخليكي لينا وعقبال ما نشوفك أحسن محامية في مصر، لأن الحلم والطريق لسه مخلصش، مبروك يا أمي».