يقع علماء الفضاء والفيزياء الفلكية في حيرة من تفسير سبب انجذاب مجرتنا درب التبانة، ومعها مجرات أخرى مجاورة، نحو منطقة غامضة تُعرف باسم «الجاذب العظيم»، إذ تُسحب المجرات بسرعة هائلة تفوق مليون ميل في الساعة، بعيدًا عن مسارها الطبيعي، باتجاه هذا الجاذب الغامض.
أين تتجه مجرة درب التبانة؟
المجرات بمثابة عوالم شاسعة تضم مليارات النجوم والكواكب والأقمار، ناهيك عن الكويكبات والنيازك، وتنتشر هذه الأجرام السماوية وسط سحب من الغبار الكوني والمادة المظلمة، وتُحاط بمجالات مغناطيسية هائلة، وتتنوع أحجام المجرات بشكل كبير، حيث تتراوح بين المجرات القزمة التي تحتوي على بضعة آلاف من النجوم، إلى المجرات العملاقة التي تضم مئات التريليونات من النجوم، وكلها باختلاف أحجامها تتخذ من مركز ثقل المجرة مدارًا لها.
وبحسب موقع «npr» الأمريكي، تدور الأرض حول محورها بسرعة هائلة تصل إلى ألف ميل في الساعة (حوالي 1600 كيلومتر في الساعة).
وبحسب المهندس عصام جودة رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لعلوم الفلك وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء، يُعدّ هذا الدوران هو السبب الرئيسي لظاهرة تعاقب الليل والنهار على كوكبنا، بل تدور الأرض أيضًا حول الشمس كجزء من نظامنا الشمسي، وتبلغ سرعة دورانها حول الشمس حوالي 67 ألف ميل في الساعة (حوالي 108 ألف كيلومتر في الساعة)، وهذه الحركة المدارية للأرض حول الشمس هي ما يُخلق الفصول الأربعة على مدار العام.
وأضاف لـ«الوطن»، أنّ هذه الحركات الدورانية للأرض، تعتبر ظواهر طبيعية أساسية تُشكل حياتنا على هذا الكوكب، فدوران الأرض حول محورها يُنظم تعاقب الليل والنهار، بينما دورانها حول الشمس يُنظم الفصول الأربعة.
وفي سبعينيات القرن الماضي، واجه علماء الفيزياء الفلكية لغزًا محيرًا، فقد لاحظوا أنّ مجرتنا درب التبانة، ومجموعتها المحلية بأكملها تتعرض لظاهرة غريبة، إذ تُسحب هذه المجموعة من المجرات بعيدًا عن مسارها الطبيعي بسرعة هائلة تفوق مليون ميل في الساعة، والأكثر إثارة للدهشة هو أن الوجهة المقصودة غير مرئية لنا، وقد أطلق العلماء على هذه الوجهة الغامضة اسم «الجاذب العظيم».
لطالما اعتقدنا أن الكون المنظور يضم حوالي 170 مليار مجرة فقط، لكنّ الاكتشافات العلمية الحديثة فاجأتنا بوجود عدد هائل يفوق هذا بكثير، فقد بات يُعتقد أنّ الكون يضمّ تريليونات من المجرات، تنتشر على مسافات هائلة تصل إلى ملايين الفراسخ، ويعتمد عدد المجرات المرئية على كتلة كل مجرة وحجمها، وتُعدّ هذه الاكتشافات بمثابة ثورة في فهمنا للكون، فكل مجرة هي عبارة عن عالم هائل يضمّ مليارات النجوم والكواكب، ناهيك عن الظواهر الكونية الغامضة التي تحدث فيها.
وتُعدّ حركة الكون ظاهرةً مُذهلةً تُشكل جزءًا أساسيًا من فهمنا له، ففي رحلتنا عبر الكون، نجد أنفسنا محاطين بحركاتٍ ديناميكيةٍ لا تتوقف، فالأرض والشمس، وبقية كواكب نظامنا الشمسي، تدور حول مركز مجرة درب التبانة بسرعةٍ هائلةٍ تفوق 500 ألف ميل في الساعة (828 ألف كيلومتر في الساعة).
وتُشبه هذه الحركةُ رقصًا كونيًا مُتقنًا، حيث تدور كلّ الأجرام السماوية في مساراتٍ محددةٍ حول مركزٍ مُشترك، ولكنّ حركتنا لا تنتهي عند حدود مجرتنا،
فوفقا للموقع الأمريكي، يتحرك الكون بأكمله نحو التوسع للخارج طوال الوقت دون انقطاع، وتُشبه هذه الظاهرةُ عمليةَ نفخِ بالونٍ ضخمٍ، حيث تتباعدُ جميعُ النقاطِ عن بعضها البعض بمرور الوقت.
ما الجاذب العظيم؟
ما تزال رحلة درب التبانة -مجرتنا-، غامضةً لعلماء الفلك، فبينما تدور الأرض والشمس وبقية كواكب نظامنا الشمسي حول مركزها بسرعة هائلة، تتجه درب التبانة نفسها في مسارٍ مُنحرفٍ عن المسار المتوقع، ويُعدّ هذا الانحراف لغزًا مُحيرًا يُشغل أذهانَ العلماء منذ عقود.
ولكن مع مرور الوقت، بدأت تتكشفُ بعض الخيوط لفهم هذه الظاهرة المُذهلة، فعلى مدى العقود القليلة الماضية، ظهرَ العديدُ من المرشحين المحتملين الذين قد يكونون مسؤولين عن انحراف درب التبانة، وفي الآونة الأخيرة، برز مرشح جديد يُثيرُ اهتمام العلماء بشكلٍ كبير، وهو العنقود الفائق Laniakea، الذي يعني في لغة هاواي «الجنة الهائلة» أو «الجنة التي لا تُقاس»، إذ يُعد Laniakea تجمعًا هائلًا من المجرات، يفوق حجمُهُ حجمَ مجرتنا درب التبانة بملايين المرات، ويعتقد العلماء أنّ قوة جاذبيته الهائلة قد تكون هي السبب وراء انحراف درب التبانة عن مسارها.
وقد أطلق العلماء هذا الاسم على هذه الظاهرة المُحيرة، لكن قدرتهم على دراستها محدودةٌ للغاية، ويُرجع عالم الفيزياءِ الفلكيةِ الحاسوبية جورجي مورينو هذا التحدي إلى عاملين رئيسيين:
أولاً: تُعد مجرة درب التبانة موطنًا لملايين وملايين النجومِ، بالإضافة إلى كميات هائلة من الغبارِ الكوني، وتُشكلُ هذه المكونات حاجزًا كثيفًا يحجب الكثير من المعلومات التي يحاول العلماء العثور عليها حول الجاذب العظيم.
ثانيًا: تُعدّ مجرتنا نفسها مصدرًا للجاذبية: فجاذبيتها الهائلة تؤثر على حركة المجرات المجاورة، ممّا يصعّب على العلماء تمييز تأثير الجاذب العظيم من تأثير جاذبية درب التبانة.